الغضب

 

الغضب يظهر بأنواع مختلفة: مُساعد أو مُهلِك، قوى أو مُضعف.

 

الأنواع المختلفة للغضب

ـ أولا: أحدهم يهاجمني أو يسبب لي ظلما، فتكون ردة فعلي بالغضب والسخط. هذا الغضب يزيد قوتي للدفاع عن نفسي. يجعلني أستطيع التصرف. وهذا هو غضب إيجابي، يجعلني قويا. هذا الغضب يتعلق بالحدث وهو مطابق، إنه يختفي عندما أصل هدفي.

ـ ثانيا: أنا أصبح غاضبا وساخطا، عندما ألاحظ أني لم أخذ الذي يجب عليّ أخذه، أو لم أطلب الذي أريد طلبه، أو لم أرجُو الذي يجب رجاؤه. وبدلا من أن أخذ أو أطلب أو أرجُو الذي ينقصني والذي أحب الوصول إليه. أصبح غاضبا، وعلى مَنْ أصبح غاضبا؟ طبعا على الشخص الذي لم أطلب أو لم أخذ أو لم أرجو منه أخذ الشيء الذي ينقصني.

هذا الغضب والسخط هو بديل عن التصرف، وهو ضعيف، ويكون في الغالب طويل البقاء.

عادة يؤثر الغضب، وكأنه شيء يبعد الحب. وبدلا من أن أظهر الحب، أصبح غاضبا على هذا الشخص الذي أحبه. وهذا الغضب يعود اصله إلى الطفولة، إذا كانت ناتجة عن انقطاع الحركة المتجهة. وفي ظروف مشابه تُعاد هذه المشاعر (مشاعر الطفولة) وتسلب منا القوة وتضعفنا.

ـ ثالثا: أنا اغضب على أحد، لأني تصرفت أنا معه بغير حق، ولا أريد الاعتراف بذنبي. وبهذا الغضب أصد توابع الذنب الذي ارتكبته، وألبسه للآخرين. وهذا أيضا بديل عن التصرف. وهو يسمح لي بأن أظل غير فعال، هذا الغضب يشلني ويجعلني ضعيفا.

ـرابعا: أحدهم يقدم لي شيئا كبيرا جيدا وخيرا، وأنا لا أستطيع أن أرد له ما قدمه لي، ويكون صعبا على نفسي تحمله. وهنا أنا أصد المعطي والعطاء. بأن أصبح غاضبا عليه. وهذا الغضب يكون بشكل لوم وعتاب. مثلا: الأبناء ضد آبائهم. فهنا يكون الغضب بديلا عن الأخذ والشكر، وبديلا عن التصرف الذاتي، فهو يشل ويجعل العلاقة بين الأبناء والآباء غير ممتلئة وفارغة.

أحيانا أخرى يكون هذا الغضب بشكل كآبة، وهذا هو الوجه الآخر للعتاب واللوم. والكآبة هنا تكون أيضا بديلا عن الأخذ والشكر، فهي تشل وتمنع من التصرف الجيد اتجاه الآباء أو غيرهم.

وبعض الأحيان يكون الغضب بشكل حزن عميق، بعد افتراق الحبيبين أو الزوجين. أو الافتراق بسبب الموت، فيكون الغضب هنا طويل البقاء، ويكون بديلا عن الأخذ والشكر، ويمنع من التصرف ويجعل العلاقة فارغة أيضا.

ـ خامسا: بعضهم يحمل أو يقتبس غضب غيرهم. مثلا عندما يغضب أحد المشتركين من المجموعة، ثم يضغط على غضبه ويخفيه، فبعد فترة من الزمن، يأخذ مشترك آخر من المجموعة هذا الغضب ويظهره. رغم أن لا سبب عنده لهذا الغضب، وغالبا يكون أضعف واحد بينهم.

في المجموعة فإن الغضب لا يتجه اتجاه الشخص المعني، والذي بدوره سبب الغضب، (غالبا يكون مدير المجموعة) بل يتوجه إلى أضعف شخص موجود.

في العائلة، فإن أضعف شخص هو الطفل. مثلا عندما تصبح الأم غاضبة على الأب، وهي تخفي إظهار غضبها، فإن أحد أبنائهما يحمل هذا الغضب ويوجهه ضد الأب. أضعف عضو في العائلة، يصبح الحامل أو المقتبس، بل أيضا يصبح مرمى الهدف للغضب.

مثال آخر: عندما يصبح أحد الموظفين أو المرؤوسين غاضبا على المدير أو الرئيس الأعلي منه، ولكنه يحبس هذا الغضب ويكتمه، ولا يستطيع إظهاره. فإن هذا الغضب يظهر اتجاه الأضعف منه في الدائرة أو الموئسسة. أو عندما يصبح الزوج غاضبا على زوجته، ولكنه يحبس إظهار هذا الغضب، فإن أحد الأطفال ينال العقاب من والده بديلا عن الأم. العكس تماما، حيث تظهر الأم غضبها على الأبناء بدلا من مواجهة الأب.

وفي بعض الأحيان لا ينتقل الغضب من حامله إلى الفاعل. (مثلا: من الأم إلى الطفل) بل هو يغير الاتجاه في الانتقال (من القوى إلى الضعيف) مثلا: البنت عندما تقتبس غضب الأم على الأب، فإن هذا الغضب لا يتوجه مرة ثانية اتجاه الأب، بل اتجاه شخص آخر، تشعر البنت بأنها أقوى منه، وغالبا يكون هذا الشخص هو زوجها.

في الغضب المقتبس فإن الفاعل يكون خارجا عن نفسه، أو يكون سطحيا، ويشعر بالفخر، ويشعر بأن الحق له ومعه. وهذا الفاعل يتصرف بقوة وبحق غريب عنه، لذلك يظل دون نجاح ويظل ضعيف.

والضحية، يقتبس أيضا الغضب، فهو يشعر بالقوة ويشعر بأن الحق معه وله، لأنه يعلم داخليا بأنه يعاني من عدم الحق. أن هؤلاء الأشخاص يظلون ضعفاء، ومعاناتهم تظل دون نتيجة.

ـ سادسا: هناك نوع آخر من الغضب، إنه من الفضائل، براعة، مهارة وكفاءة. هذا الغضب يحرس بأن يظفر الشخص على مراده وهو مجتمع النفس في ساعة الضيق والقهر، والذي باستطاعته يتجرأ على مواجهة الصعوبات ومواجهة العظماء. وهذا الغضب يكون دون انفعال. وإذا كان ضروريا يسبب للآخرين السوء دون خوف ودون حقد. إنه عدواني ممتلئ بالطاقة. إنه ثمرة تمرين طويل لتهذيب النفس. والذي يمتلك هذه الصفة فهو يمتلكها دون جهد. إنها استراتيجية للتصرف الجيد.